July 01, 2007

أشرف مروان، أو صعود وسقوط "النبلاء" العرب

إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا خان فيهم الشريف تركوه، وإذا خان فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ.

(ليس حديثا شريفا)

لم تكن بالقطع أشرف موتة (السقوط من شرفة). لم تكن أشرف آخر الإتصالات (لموعد مع "مؤرخ" "إسرائيلي"). لم تكن أشرف مهنة حرة (تاجر سلاح). ليس أشرف الأسئلة: المهنة غير الحرة السابقة لأشرف مروان، هل كانت: عميل مفرد أم عميل مزدوج؟

تحتاج لأن نعرف شيئا عن الرجل أو عن عالم الجاسوسية أو عن مصر لتصل إلى أي إستنتاجات. إلا أننا لا نحتاج لأي من ذلك لنعرف أن حكاية كونه عميل مزدوج ضلل اسرائيل لحساب مصر مختلة التوازن لدرجة السقوط من الشرفة.

سمعنا بأناس في قمة التضحية بالنفس والشجاعة. ولكن إلى حد الذهاب إلى عرين الموساد، ليس مرة واحدة بل مرات ومرات، ثم العيش بعدها بآخر راحة وانفتاح في لندن واستمرار التعامل مع الإسرائيليين في صفقات سلاح بعد صفقات سلاح؟ هل كان واثقا من القدرة على خداع كل الإسرائيليين - والأمريكان والبريطانيين- كل الوقت؟

سمعنا بملحق دبلوماسي، أو فني إتصالات، أو رجل إعلام يتم إستخدامه كعميل مزدوج. ولكن عمود من أعمدة النظام ذاته وأصحاب القرار فيه؟ زوج بنت عبد الناصر والرجل الثاني بعد سامي شرف في ديوان الرئاسة، ثم الوحيد الذي لم تمسه "حركة التصحيح" والتخلص من شخصيات عهد عبد الناصر ليستمر كسكرتير السادات للمعلومات ثم للإتصالات الخارجية والمؤتمن عليها، ورئيسا للهيئة العربية للتصنيع العسكري؟ ما تجيش.

خذ مثلا أن الرجل في سنة حاسمة مثل تلك التي تلت حرب أكتوبر، وفي الفترة من ابريل حتى ديسمبر 74 فقط قام بخمس زيارات رسمية لأبوظبي إستقبله فيها الشيخ زايد بن سلطان، و"أبلغ فيها سموه رسالة شفوية من فخامة المصري محمد أنور السادات تتعلق بآخر التطورات على الجبهة المصرية والوضع العربي الراهن بشكل عام". هل كان عميلا مزدوجا لدولة الإمارات أيضا؟

الرجل كان جزءا من دائرة ضيقة ذات نفوذ واسع شملت العرشين السعودي والمغربي ( عبر كمال أدهم وحسن التهامي). ثم جزءا مما عرف في السبعينات بحلقة نادي باريس التي شملت كما قيل تنسيقا مع أجهزة مخابرات أمريكا، بريطانيا، وشاه إيران إضافة لمصر والسعودية والمغرب. هل كان عميلا مزدوجا –سداسيا- لهذه العروش والحكومات جميعا في آن؟

ضابط اسرائيلي سابق يؤلف كتابا للمال والشهرة يفشي فيه السر، ثم تقوم المؤسسة الإسرائيلية بتدارك الغلطة الفادحة عبر حكاية أنهم ضللوا به وعن طريقه لحساب مصر، لنبلع نحن الجرعة المخدرة ونذهب سعداء للنوم وغياب الإحساس؟ فقد عاد كبريائنا وغرورنا القومي سالما من كل خدش ولا هم يحزنون.

هذا هو العصر الذي يتلقى فيه رجل مثل بندر بن سلطان (عميل مفرد أم مزدوج هو الآخر؟ تاجر سلاح بالتأكيد) رشاوى (أو عمولات) بمليار دولار في صفقة القرن ويقول بعدها – بوقت طويل- بملء الفم : سوووو وات؟ وهو مستشار الأمن القومي (طبعا) في بلد يقطع اليد على خمسة ريال. ولا من يسأل ولا من يجيب. ورجل مثل أشرف مروان، في قلب الحلقة الصغرى لأسرار المنطقة من المحيط إلى الخليج. يعرف بسر أخطر معارك العرب في القرن العشرين. تحوم الشكوك حول قيامه بإفشائه للدولة العبرية. فضيحة القرن إن صحت. ولسان حال الحكومة المصرية: وإيه يعني؟ ولا أحد يسأل ولا أحد يجيب.

ففي عالمنا العربي من يجرؤ على أن يسائل أو يحاسب أحدا من طبقة "النبلاء"؟ زوج بنت عبد الناصر. تولى أهم المواقع في ظل أكثر من رئيس وعهد. أب لرجلين من أبرز رجال الأعمال. من يجرؤ على المحاسبة، من يجرؤ على الإستجواب؟

أم لان "أشرف بن مروان" لا يعدو أن يكون سوى الإسم الحركي للنظام الرسمي العربي ذاته، هو كما هم تجار سلاح. هو كما هم لا تعرف إن كانوا وطنيين او عملاء مفردين أو مزدوجين، سقوطه كما سقوطهم يوما ما ستظل حائرا في معرفة فيما إذا كان ناجما عن إختلال توازن أو بفعل فاعل، أسئلة بإنتظار "مؤرخ" من مركز الأسرار الجديد، الذي عاد أقرب كثيرا من لندن وواشنطن، شرق البحر الأبيض المتوسط.